- 5 -
الإمام ناصر محمد اليماني
02 - 01 - 1429 هـ
10 - 01 - 2008 مـ
11:52 مـساءً
ــــــــــــــــ
أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين فأتَّبعك يا حبيب الحبيب ..
بسم الله الرحمن الرحيم، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ لله ربّ العالمين. ثمّ أمّا بعد..
يا حبيب الحبيب، إنّنا كنُا نتكلم عن كُلّ نفسٍ جاءت وهي من أصحاب الجحيم وأنّ سائقها مَلك يُسمّى عتيد وقرين عتيد الشاهد بالحقّ الملك رقيب.
وأما الصالحين فهم وفدٌ مُعززٌ مُكرمٌ ضيوفُ الرحمن لا يأتون سَوقاً إلى الرحمن ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، ويبعث الله الملائكة لتستقبلهم وترافقهم إلى مقاعدهم وذلك هو السَوق لعباد الله المكرمين، ولم يأتِ أحدٌ معهم يسوقهم بل استقبلتهم الملائكة بأمر من الرحمن الرحيم أن يستقبل الملائكة ضيوفه المكرمين الخالدين ولذلك ابتعث الله ملائكته لاستقبال ضيوفه المكرّمين ليتلقّوهم فيرحبوا بهم باسم الرحمن الرحيم. وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴿١٠١﴾ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ ﴿١٠٢﴾ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴿١٠٣﴾} صدق الله العظيم [الأنبياء].
وهل تعلم من الذي يتلقّاهم؟ إنهما الملك رقيب والملك عتيد وذلك للترحيب فيرافقونهم فيسوقونهم ليروهم مقاعدهم. وقال الله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} صدق الله العظيم [النحل:٣٢].
وأما الصراط المُستقيم فهو من هُنا من الحياة الدُنيا يسلك الصالحون الصراط المستقيم صراط العزيز الحميد والذي يؤدي إلى الجنّة. ولم يجعل صراط النّار والجنة واحداً؛ بل جعلهم نجدين فنجدٌ يؤدّي إلى الجنّة ونجدٌ يؤدّي إلى النّار، فيا عجبي من أمّة يعتقدون بأنّ طريق الحقّ وطريق الباطل واحدةٌ تؤدّي إلى الجحيم فجعلوا الصراط المُستقيم يؤدّي إلى نار جهنّم واتّبعوا الذين يقولون على الله الإفك وهم يعلمون فيتبعون المُتشابه من القرآن العظيم.
وأنا المهديّ المنتظَر الحقّ الإمام ناصر محمد اليماني أنفي عقيدة الباطل بأنّ الصراط المستقيم هو طريق يؤدّي إلى نار جهنّم ثمّ إلى الجنّة وأنّه أرهف من الشعرة وأحدّ من السيف؛ فأنفي عقيدة الباطل جُملةً وتفصيلاً وأهدي بالحقّ إلى صراط مُستقيم؛ صراط العزيز الحميد الذي يؤدي إلى الجنّة، وصراط الشيطان يؤدي إلى نار جهنّم، فمن أراد أن يسلك نجد الرحمن والجنان فمن هُنا يسلك الصراط المُستقيم حتى إذا مات وهو عليه دخل الجنّة، ومن سلك طريق الشيطان فيتّبع ما يرضي الشيطان ويسخط الرحمن حتى إذا مات وهو على ذلك يدخل نار جهنّم وبئس المصير، وطريق الحقّ والباطل نجدان مُختلفان فإمّا شاكراً وإما كفوراً.
ولربّما يودّ أحدكم أن يُقاطعني فيقول: "ولكن القرآن يقول في قوله تبارك وتعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} صدق الله العظيم [مريم:٧١]". ومن ثمّ نردّ عليه فنقول إنّ المنافقين يضعون أحاديث تتشابه مع بعض الآيات في ظاهرها ولكنكم إذا رجعتم إلى المحكم والواضح والبيّن والذي لا يحتاج إلى تأويلٍ فسوف تجدون بأنّ هذه الآية تُخالف الحديث المُفترى والمتشابه مع ظاهرِ آيةٍ أخرى في القرآن العظيم، وذلك لأنكم جعلتم النّار كمسبحٍ ومن ثم جعلتم خشبةً أو سيفاً أو شعرةَ صراطٍ فوق المسبح! ومن ثمّ يمرون في الجسر الهوائي والذي هو أرهف من الشعرة وأحدّ من السيف ومن سقط مِن على الجسر الهوائي وقع في النّار ومن مرّ ولم يقع فيعبر فسوف يدخل الجنّة!
ويا أسفي على علماء أمّة يعلِّمون الأمّة روايات كروايات العجز وأساطير الخرافات التي لم يُنزّل الله بها من سُلطانٍ في القرآن العظيم، ولكنّكم اتبعتم المُتشابه في القرآن العظيم والذي لا يزال يحتاج لتأويل ذي علمٍ من ربّه إمامٍ حكيمٍ، وتركتم المحكم والواضح والبيّن والذي لا يحتاج إلى إمام ليبيّنه شيئاً نظراً لوضوحه كوضوح الشمس في السماء ولكنكم تركتم المحكم واتبعتم أحاديث الإفك التي جعلت صراط الحقّ وصراط الباطل طريقاً واحداةً تؤدّي إلى نار جهنّم، فجعلوا أحاديث الإفك تتشابه مع آياتٍ في ظاهرهن ولا تزال بحاجة إلى عالِم وإمامٍ مُبينٍ ليفسرها ويفصّلها تفصيلاً.
وإني لأتحدى جميع علماء الأمّة بالحقّ وليس تحدي الغرور بل بالبيان الحقّ لجميع المتشابهات والمحكمات وأفتي بعلمٍ وهُدًى وكتابٍ مُنيرٍ، ولسوف نبدأ بالآيات المحكمات في هذا الشأن والواضحات كوضوح الشمس في السماء لا يزيغ عنهنّ إلا هالكٌ ولكنكم تركتم المحكم وراء ظهوركم فاتبعتم المتشابه نظراً لأنه يوجد حديثٌ تشابه مع أحد الآيات المتشابهة مع حديث الفتنة والإفك على الله ورسوله.
ولسوف نبدأ حواركم بالمحكم الذي نبذتمونه وراء ظهوركم كمثال قول الله تعالى في محكم كتابه بأنّ لنار جهنّم سبعة أبواب ولكُلّ باب منهم جزءٌ مقسومٌ لذلك تجدون الكفار يُساقون إلى نار جهنّم زُمراً أي جماعاتٍ، وذلك لأنّ لها سبعة أبوابٍ لكُل بابٍ منهم جزءٌ مقسومٌ ولا يمرّون من فوق النّار فيقعون على الصراط المستقيم! قاتلكم الله أنا تؤفكون. بل حتى إذا جاءوها فُتحت أبوابها ومن ثم يُلقى بهم في نار جهنّم كما بيّنّا لكم من قبل في قوله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ﴿٢٤﴾ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ ﴿٢٥﴾ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ﴿٢٦﴾} صدق الله العظيم [ق].
ولكنكم جعلتم أهل الجنّة وأهل النّار يُساقون نحو النّار، فأكرِّر وأقول قاتلكم الله أنّى تؤفكون فتقولون على الله ما لا تعلمون وتتّبعون ما لم ينزل الله به من سلطانٍ فتتبعون الأحاديث المتشابهة مع آياتٍ ليست من المحكمات وتركتم المحكم الواضح والبيّن وراء ظهوركم وكأنّه ليس من عند الله، فانظروا إلى الآية المحكمة في هذا الشأن تجدونها تُفصِّل لكم الفتوى في هذا الشأن تفصيلاً وتقول بأنّ أهل النّار يُساقون إلى النّار حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وذلك لأنّ لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم، وأما أصحاب الجنّة فيساقون نحو الجنّة حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها، فقد أنزل الله لكم في هذا الشأن آيةً هي قصة منذ لحظة البعث إلى نهاية الأمر فقصّ عليكم القصة وفصّلها لكم تفصيلاً. وقال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ﴿٦٨﴾ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿٦٩﴾ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴿٧٠﴾ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴿٧١﴾ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴿٧٢﴾ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴿٧٣﴾ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴿٧٤﴾ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٧٥﴾} صدق الله العظيم [الزمر].
أفلا ترون بأنّ حديث الإفك قد اختلف جملةً وتفصيلاً مع هذه الآية الكريمة المحكمة الواضحة البيّنة؟ ولكنكم اتّبعتموه وذلك لأنّه تشابه مع آيةٍ أخرى في القرآن الكريم وهي قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ﴿٧١﴾ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴿٧٢﴾} صدق الله العظيم [مريم].
ولو كنتم تريدون الحقّ لاستمسكتم بالمحكم الواضح والبيّن وأمّا هذه الآية والتي يتشابه مع ظاهرها إحدى الروايات فإذا قارنتم بين هذه الرواية المتشابهة مع ظاهر هذه الآية وبين الآية المحكمة في هذا الشأن فحتماً سوف تجدون بين الحقّ والباطل اختلافاً كثيراً في قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ﴿٦٨﴾ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿٦٩﴾ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴿٧٠﴾ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴿٧١﴾ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴿٧٢﴾ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴿٧٣﴾ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴿٧٤﴾ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٧٥﴾} صدق الله العظيم [الزمر]، وهذه هي الآية المحكمة ذات القصة الحقّ في هذا الشأن.
ومن ثم نعود لتأويل الآية المتشابهة مع حديث الفتنة في الرواية الباطلة عن الصراط المستقيم أنه على نار جهنّم زوراً وبهتاناً على الله ورسوله، فأمّا الذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه مع أحاديث الفتنة ابتغاء تأويل القرآن؛ ولكن في قلبه زيغٌ عن الحقّ الواضح والبيّن الذي نبذه وراء ظهره فاتّبع هذه الآية نظراً لتشابهها مع حديث الفتنة والذي كان يزعم أنه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولأني من الراسخين في العلم مما علمني ربّي فسوف آتيكم بالتأويل الحقّ والقول المختصر المفيد لقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ﴿٧١﴾ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴿٧٢﴾} صدق الله العظيم [مريم].
فليس الورود في هذا الموضع يُقصد به الدخول؛ بل الوصول إلى ساحة نار جهنّم فبرزت الجحيم لمن يرى فيشاهدها الصالحون والمُبطلون معاً سوياً. تصديقاً لقول الله تعالى: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴿٦﴾ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ﴿٧﴾} صدق الله العظيم [التكاثر].
ومعنى الورود هُنا هو الوصول إلى ساحة جهنّم كما ورد موسى إلى ماء مدين ولكنه لم يدخل الماء؛ بل وصل إلى ساحة الماء فوجد عليه أمّة يسقون، وقال الله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} صدق الله العظيم [القصص:٢٣].
وليس هذا قياساً بل لكي تفهموا حقيقة الورود المقصود إلى نار جهنّم بأنه الوصول إلى ساحتها حتى يُشاهدها الصالحون والمبطلون فيرونها رأي العين بعين اليقين. تصديقاً لقول الله تعالى: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴿٦﴾ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ﴿٧﴾} صدق الله العظيم [التكاثر]، وتصديقاً لقول الله عز وجل: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَىٰ} صدق الله العظيم [النازعات:٣٦].
أي برّزت فكانت ظاهرةً للجميع لمن كان له أعيناً تبصر فهو يراها، ولكن الله لم يُرِها للصالحين لكي يدخلهم فيها أو يعبروا فوقها؛ بل لكي يحمدوا الله الذي أنجاهم من هذه النّار التي تتلظّى والتي لا يصلاها إلا الأشقى، وليس للصالحين أي طريقٍ نحوها ولا يقربوها فيدخلوها ولا يمرّون من فوق وهجها بل برَّزها الله للغاوين فقط، وأما المشاهدة فيشاهدها المؤمنون والكافرون، وبرّزت الجحيم لمن يرى ولكنها بُرّزت للغاوين فقط. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ} صدق الله العظيم [الشعراء:٩١].
ولم يجعل الله صراط الجنّة وصراط الجحيم سوياً؛ بل صراط الجحيم في جانبٍ وصراط الجنّة في جانبٍ آخر. وقال الله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ﴿٢٢﴾ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ ﴿٢٣﴾} صدق الله العظيم [الصافات]. ولكنّكم يا معشر علماء الأمّة جعلتم صراط الجحيم هو نفسه صراط النّعيم ما لكم كيف تحكمون؟ ولا يزال لدينا الكثير والكثير من البرهان في هذا الشأن ندّخرُه للممترين فألجمهم بالحقّ إلجاماً، فكيف تجعلون الصراط المستقيم يؤدي إلى نار جهنّم صراط الضالين والمغضوب عليهم؟ ألم تقولوا في كلّ صلاة اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ولكنكم صدقتم أنه صراطٌ واحدٌ يورد نار جهنّم وإنكم لخاطئون فكيف يكون طريق الحقّ وطريق الباطل طريقٌ واحدةٌ تُورد بالجميع إلى نار جهنّم أفلا تعقلون؟ وإنما يُنجّي الله الصالحين فلا يساقون إلى صراط الجحيم بل إلى الجنّة، ولا يساق إلى صراط الجحيم إلا أصحاب النّار فيذرهم الله فيها جثياً. تصديقاً لقول الله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ﴿٢٢﴾ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ ﴿٢٣﴾} صدق الله العظيم [الصافات].
ومن ثم يُلقي بكلّ واحدٍ منهم الملكان (رقيب) و(عتيد) فيذهبان به إلى بابه المعلوم ثمّ يلقيان به في نار جهنّم كما أسلفنا شرحه لكم من قبل في قوله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ﴿٢٤﴾ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ ﴿٢٥﴾ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ﴿٢٦﴾} صدق الله العظيم [ق].
فقد تبيّن لكم الحقّ وليس كما كنتم تزعمون بأنّه يمشي الكافر والمؤمن على صراط الشعرة والتي زعموا أنّها أحدّ من السيف ومن اخترق نجا ومن وقع سقط في النّار، فلم نجد لهذا الإفتراء من سلطان في القرآن، فمن كان له أي اعتراضٍ على الآيات المحكمات الواضحات البيّنات فليتفضل للحوار.
وأما المتشابه فسوف أفسّره خيراً منكم وأحسن تأويلاً وآتي له بالسلطان من نفس القرآن حتى إذا كذبتم فقد كذبتم بآيات الله في القرآن العظيم فيحكم الله بيننا بالحقّ وهو أسرع الحاسبين، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ لله ربّ العالمين..
ويا حبيب الحبيب يا من تزعم بأنّك إذا أحضرت اسم المهديّ من القرآن ومن ثم تقول: "فهل سوف تتّبعني؟". ومن ثمّ نردّ عليك بالحقّ فأقول: وتالله لو أتيتني من القرآن باسم حبيب الحبيب واضحاً وجليّاً في القرآن لما اتبعتك وهل تدري لماذا؟ وذلك لأنّ الله لم يجعل الحجّة في الاسم بل في العلم ولم يأتِك الله العلم بل تجادل بالظنّ الذي لا يغني من الحقّ شيئاً وأمّا الاسم فلم يجعله الله السلطان يا حبيب الحبيب، وحتى تعلم يا حبيب الحبيب أنت وغيرك بأنّ الله لم يجعل السلطان في الاسم بل في العلم؟ لذلك قال: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} صدق الله العظيم [الصف:6]، ولكنه جاء اسمه (محمد) صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك لكي تعلموا أنّ البرهان ليس في الاسم بل في العلم، وأشهد أنّ محمداً رسول الله هو نفسه أحمد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في اللوح المحفوظ، فهل تريد أن أجعل حجةً لأهل الباطل على جدّي؟ وأعوذ بالله أن أكون من الذين يجادلون في الله بغير علمٍ ولا هُدًى و لا كتابٍ مُنيرٍ؛ بل أدعو إلى سبيل ربّي على بصيرةٍ وعلمٍ وكتابٍ منيرٍ فأهدي به النّاس إلى صراط مُستقيم.
المهديّ المنتظَر الحقّ الناصر لمحمدٍ رسول الله والقرآن العظيم؛ الإمام ناصر محمد اليماني.
ــــــــــــــــــــ