قصة نبيِّ بَنِيْ إسرائيل الذى أخبرهم بأن الله بعث لهم طالوت ملكاً
وقصة هارون ومؤمن آل فرعون ..
يا معشر عُلماء المُسلمين، إنّ من آتاه الله علم الكتاب لم يجد في القُرآن العظيم نبيّاً يُدعى يوشع بن نون، ولم يُنزّل الله به من سُلطانٍ في القُرآن العظيم، فهلّموا يا معشر عُلماء الأُمّة لأعلّمكم من هو النبيّ الذي كان في بني إسرائيل من بعد موسى عليه الصلاة والسلام في قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴿٢٤٦﴾} صدق الله العظيم [البقرة].
وأُحيط ابن عُمر المُكرّم والصدّيق وولياً حميماً بأنّ ذلك النبيّ الذي كان في بني إسرائيل من بعد موسى أنّهُ نبيّ الله هارون أخو موسى عليه الصلاة والسلام، وقد تعمّر هارون من بعد موسى أربعين عاماً ومن ثُمّ اكتمل زمن تحريم الله على بني إسرائيل دخول القرية التي كتب الله لهم وجاء قدر دخولهم من بعد انقضاء الأربعين عاماً وقد كُتِب عليهم القتال في زمن موسى. وقال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ ﴿٢٠﴾ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴿٢١﴾ قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ﴿٢٢﴾ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿٢٣﴾ قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴿٢٤﴾ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴿٢٥﴾ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴿٢٦﴾} صدق الله العظيم [المائدة].
فهل تساءلتم يا معشر عُلماء الأُمّة لماذا هذا النبي لم يقُد بني إسرائيل هو؟ وكذلك لماذا بني إسرائيل لم يطلبوا من هذا النبيّ أن يقودهم برغم اعترافهم بأنّه نبيٌّ لهم؟ فلماذا لم يطلبوا من نبيّهم أن يقودهم؟ بل قالوا: "ابعث لنا ملكاً نُقاتل في سبيل الله" فلماذا لم يقولوا لنبيّهم أن يقودهم ليقاتلوا في سبيل الله؟ إذاً هذا النبيّ قد صار شيخاً كبيراً ووصل إلى أرذل العُمر من بعد قوةٍ ضُعفٌ وشيبةٌ، فهو لا يستطيع أن يقودهم نظراً لأنه أصبح شيبةً عاجزاً، وكذلك بنو إسرائيل يعلمون بأنه لم يعد يستطيع لأنهم يرونه شيبةً عاجزاً ولذلك لم يطلبوا منهُ أن يقودهم؛ بل قالوا اختَر لنا منا من بني إسرائيل من يقودنا لنقاتل في سبيل الله.
فهل تعلمون يا معشر عُلماء الأُمّة من ذلك النبيّ عليه الصلاة والسلام؟ إنّه نبيّ الله هارون أخو موسى، وانقضت سنين التّحريم على بني إسرائيل دخولهم المسجد الأقصى في الكتاب وجاء الزمن المُقدّر لدخول بني إسرائيل الأرض المُقدّسة التي بها بيت المقدس ولم يعد رسول الله موسى موجوداً فقد توفّاه الله خلال الأربعين سنة، ولكنّ أخاه هارون لا يزال موجوداً ولكنّه قد أصبح شيخاً كبيراً لا يستطيع حمل السلاح ولا القتال نظراً لأنّه قد أصبح من بعد قوةٍ ضعفاً وشيبةً قد وهن العظم منهُ، ولكنهُ قال: "إنّ الله اصطفى عليكم طالوت ملكاً"، ولكن طالوت لم يكن من بني إسرائيل ولذلك قالوا: "أيكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالمُلك منه؟".
فتعالوا لأُعلّمكم من هو طالوت الرجُل الصالح والذي زاده الله بسطةً في العلم، ولسوف نعود إلى قصة موسى وعبد من عباد الله الصالحين ولم يكُن نبيّاً ولا رسولاً، وكان يعلم بأنّ هناك رجُلٌ وامرأةٌ صالحون وقد تبنّوا لهم غُلاماً لم يكُن من ذُريّتهم وإنّما لأنّهم لم يأتِهم أطفالٌ، ولكنّ هذا الغُلام من ذُريّة شيطانٍ من البشر ولا خير فيه وإنّما تبنّاه هذان الأبوان الصالحان لوجه الله واتخذوه ولداً لهم ولا يعلمون من أبويه وأراد الله أن يُبدلهم خيراً منه زكاةً وأقرب رُحماً.
ومعنى قوله: {وَأَقْرَبَ رُحْمًا} أي من ذُريّتهم، والآية واضحةٌ وجليّةٌ بأنّ هذا الغُلام ليس ابنهم من ظهورهم وإنّما تبنّوه لوجه الله. وقال تعالى: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴿٨٠﴾ فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴿٨١﴾} صدق الله العظيم [الكهف].
ولذلك قتل الرجل الصالح ذلك الغلام وأبدلهم الله خيراً منه زكاةً وأقرب رُحماً، وذلك العوض من الله خيراً منه زكاةً وأقرب رُحماً الذي أعطاه الله للأبوين الصالحين إنّهُ طالوت عليه السلام الرجُل الصالح الذي آتاهُ الله المُلك وزادهُ بسطةً في العلم، وبلغ أربعين سنةً يوم استلام القيادة من بعد نبيّ الله هارون الذي بلغ من الكِبَر عتيّاً، ومن ثم قُتل طالوت في المعركة واستلم القيادة من بعده نبيّ الله داوود عليه السلام.
ثُمّ انظروا يا عُلماء الأُمّة ماذا قال لهم نبيّهم هارون حين طلبوا منه القيادة فذكّرهم بأنّه قد كُتب عليهم القتال من قبل في عهد أخيه موسى فلم يقاتلوا! وقال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴿٢٤٦﴾} صدق الله العظيم [البقرة].
إذاً يا معشر عُلماء الأُمّة لم نجد نبيّاً غير هارون عليه السلام، وأعلمُ بأنّ هارون أكبر من موسى ولكن موسى توفّاه الله قبل هارون، ولذلك قال تعالى: {مِن بَعْدِ مُوسَىٰ} وهل يخلف موسى غير هارون؟ ولكنّه قد أصبح كبيراً في السن بعد أن انتهت الأربعين السنة التي حرّم الله عليهم الدخول إلى الأرض المُقدسة قبل أن تنقضي يتيهون في الأرض كالبدو الرُحّل يتتبّعون الماء والمرعى ولا يدخلون الأرض المُباركة التي كتب الله لهم لو أعدّوا جيوش الأرض كُلّها ما كان لهم أن ينتصروا حتى تنقضي الأربعون سنة، حتى إذا جاء القدر لدخولهم المسجد الأقصى قاد الجيش طالوت عليه السلام وقُتل واستلم القيادة منهُ نبيّ الله داوود، وقَتل داوودُ جالوتَ وآتاهُ الله المُلك من بعد طالوت.
وأما الرُجل الذي تسمونه الخضر إنّهُ عبد من عباد الله الصالحين كما أخبركم الله بذلك في القُرآن في قوله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا ﴿٦٥﴾ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴿٦٦﴾ قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٦٧﴾} صدق الله العظيم [الكهف].
والحكمة من ذلك حتى يعلم موسى وجميع المُسلمين بأنّهم لا ينبغي لهم أن يُقسّمون رحمة ربهم فيحصرون العلم على الأنبياء والمُرسلين، ويُريدُ الله أن يعلّم موسى وجميع المُسلمين بأنّهُ يوجد هُناك من عباد الله الصالحين من هو أعلم من الذي كلمهُ الله تكليماً، وكان يظنّ موسى بأنهُ أعلم الناس نظراً لأنّ الله كرّمه وكلّمهُ تكليماً، وأراد موسى أن يتلقّى المزيد من العلم من هذا الرجُل الصالح. وقال الله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا ﴿٦٥﴾ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴿٦٦﴾ قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٦٧﴾ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ﴿٦٨﴾ قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴿٦٩﴾} صدق الله العظيم [الكهف].
وقال الرجُل الصالح لكليم الله موسى: {إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}، فقد حكم على موسى قبل بدْءِ الرحلة أنه لن يستطيع معهُ صبراً، ولكن موسى قال:{قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴿٦٩﴾}، فهل وجدتم موسى صبر حتى في واحدة؟ بل تحقّق ما حكم به الرجل الصالح: {قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٦٧﴾}. ولذلك لم نجد موسى صبر حتى على واحدةٍ من الأمور التي شاهدها! فذلك الجواب الحقّ على سؤالك يا ابن عُمر المُكرّم، ولسوف أزيدك علماً عن الرجُلين من أتباع موسى من الذين أنعم الله عليهما والذي جاء ذكرهم في قوله تعالى: {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿٢٣﴾} صدق الله العظيم [المائدة].
وذلك الرجُلان إنّهما نبيّ الله هارون و مؤمن آلِ فرعون الذي قال الله عنهُ: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴿٢٨﴾} صدق الله العظيم [غافر]. وقد علمنا بأنّ الله وقاه سيئات ما مكروا به آل فرعون وأبقاه مع موسى وحاق بآل فرعون سوء العذاب، وقُضي الأمر الذي فيه تستفتي يا من صدّقني وكان عند الله صدّيقاً وجزاك الله عنّي بخير الجزاء بخير ما جزى به عباده المُكرمون.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
أخوكم؛ الإمام ناصر مُحمد اليماني.
______________
[ لقراءة البيان من الموسوعة ]
السلام على إمامي و قرّة عيني، السلام على إخوتي الأنصار صفقة البشرية، تكلّمت آنفا عن يعقوب جدّ عيسى بن مريم عليهم الصلاة و السلام و قلت أنّه من المحتمل أن يكون هو ذو القرنين. و ما جعلني أقول هذا هو دعاء زكريّا ربّه و طلبه من الله أن يهب له غلاما زكياّ يرثه و يرث من آل يعقوب، قال تعالى:يرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا.
إخوتي ماهو ميراث آل يعقوب؟ أترون نبيّا يطمع في مال أو كنز أو زينة الحياة الدنيا و قد علّمنا الإمام أنّ عبادتهم يبتغون إلى ربّهم الوسيلة أيّهم أحبّ و أقرب إلى الله.فمن الأكيد أنّ يعقوب المذكور في دعاء زكرياّ ذو شأن عظيم.
ثانيا إخوتي هذا دعاء زوجة عمران الذي هو أخو زكرياّ؛ قال تعالى:
إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
و قد بيّن لنا الإمام أنّ الصالحين إذا دعوا الله بالذرية الصالحة ليس طمعا في التكاثر و الأولاد إنّما ليكونوا للناّس أئمّة و قد علّمنا الإمام أن ندعو بمثل ما دعت به زوجة عمران.
و لكن زوجة عمران وهب الله لها مريم؛قال تعالى:فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم.
إذا فدعاء زوجة عمران كان لأن يهب الله لها غلاما ذكرا زكياّ ليكون للناّس إماما و كان دعاء زكرياّ كمثل دعاءها أراد من الله أن يهب له غلاما زكياّ يكون للناس إماما و يرثه و يرث من آل يعقوب.
فزوجة عمران أيضا تريد ولدا يرث من آل يعقوب فوهب الله لها عيسى بن مريم وريث آل يعقوب من نسل ابنتها.
حسنا سنحاول أن نبحث عن ميراث آل يعقوب أو بالأحرى ميراث يعقوب.
لو تتبّعنا نصّ القرآن لوجدنا أن سليمان ورث داوود قال تعالى:
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ
فماهو ميراث داوود الذي ورثه سليمان عليهم السلام فبالطبع ليس ميراث كنز و مال إنّما كرّم الله نبيّه سليمان فكان خليفة الله في الأرض عقب أبيه و كان ميراثه ميراث عزّ و ملك و لكن بإختيار الله عزّ و جلّ بأن اصطفاه خليفته على الناّس ليس كمثل الملوك يورّثون أبناءكم غصبا و قهرا على الناّس.
فالميراث هو خلافة الله في الأرض بإختيار الله و بإذنه.
و في الأصل ميراث الأنبياء هي سنّة البيان يتوارثها الناّس عمليّا جيلا بعد جيل كما أشار الإمام أماّ خلافة الله في الأرض فالله يورّثها لمن يشاء من عباده و يختار من يشاء منهم بأن يزيده الله بسطة في العلم على الناّس.
إذا فدعاء زوجة عمران و من بعدها زكرياّ عليهم السلام كان ليهب الله لهم أولادا ليكونوا للناّس أئمّة و خلفاء يورثهم الله ميراث يعقوب كما أورث الله سليمان من أبيه داوود و المعلوم أنّ ميراث سليمان كان ملكا و خلافة و مقام عزّ.
فمن الأكيد أنّ يعقوب المشار إليه في سورة مريم كان له ملك و خلافة و مقام عزّ عند الله عزّ و جلّ حتى يدعو كلّ من زكرياّ و زوجة عمران أن يكونا لكيهما وريثا لهذا الملك العظيم فيجتبي الله من ذريّتهما و يصطفي منهما أئمّة للناّس.
حسنا للسائل أن يسأل لماذا لم يدعو زكرياّ و يقول يرثني و يرث من آل داوود أو آل سليمان فالله عزّ و جلّ قد وهب لسليمان ملكا عظيما و سخّر له الشياطين و أتي من كلّ شيء؛قال تعالى:وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ.
و قال تعالى:قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ(25)
فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ(26)
وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ(27) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ
إلاّ أن يكون ملك آل يعقوب أعظم من ملك سليمان بالرغم ما أوتي سليمان.
و لو تتبعّنا قصص القرآن لوجدنا أنّ نبيّ الله ذو القرنين ملك ظاهر الأرض و باطنها و آتاه الله من كلّ شيء سببا؛ قال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا.
فملكه كان ملكا عظيما ملك ظاهر الأرض و باطنها و لم يساوه أحد في هذا الملك إلاّ قرة أعيننا ناصر محمد اليماني الذي سيؤتيه الله ملك ظاهر الأرض و باطنها.
لذلك قلت أنّ يعقوب المشار إليه في دعاء زكرياّ رجل ذو شأن عظيم وهو ليس يعقوب والد يوسف عليهم السلام لأنّ الملك أتاه الله في ذلك الزمان ليوسف و لم يجعله ملكا على الأرض كلّها بل كان عزيز مصر و أميرا على أراضيها.
فأماّ يعقوب عليه السلام فكما قال الله تعالى: فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ(99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا.
و قد بين الإمام ناصر محمد اليماني هذه الآيات و إليكم الإقتباس:
لقد بين الله في ذات القُرآن التأويل الحق لرؤيا يوسف على الواقع الحقيقي وأن ليس لها علاقة بالإعجاز العلمي لعدد المجموعة للكواكب الشمسية بل المقصود أبوي يوسف وإخوته الأحدي عشر وذلك هو المقصود من رؤيا يوسف وقد صدقها الله بالحق على الواقع الحقيقي ومضت وانقضت تصديقاً لقول الله تعالى:
{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا}
صدق الله العظيم ، [يوسف: ١٠٠]
إذاً هذه رؤيا قد صدقها الله بالحق على الواقع الحقيقي ومضت وانقضت ولا علاقة لها بالمجموعة الشمسية ولم تسجد ليوسف الكواكب بل أمه وأبيه إحدى عشر كوكباً وهم إخوة يوسف وسلامُ على المُرسلين والحمدُ لله رب العالمين..
أخوكم الإمام المهدي ناصر محمد اليماني.
إذا إخوتي يعقوب بن إسحاق لم يكن له ملك عظيم فمن يكون يعقوب المشار إليه في سورة مريم و الأنبياء يدعون الله و يبتغون إليه الوسيلة و لا يريدون مالا و كنزا بل يريدون ذرية طيبة مباركة تنفع الناّس و تكون للناّس أئمّة يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يقيمون حدود الله و يكونوا خلفاء الله في الأرض و ورثة الصالحين؛ فكما ورث سليمان ملكا عظيما يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر فزكرياّ و زوجة عمران يدعوان الله أن يهبا لهما غلمة يرثوا ملكا عظيما و هذا هو ملك آل يعقوب.
حسن و لي وقفة في أسرار أحرف القرآن و هذا اقتباس من الإمام ناصر محمد اليماني:
ولا ينبغي أن يكون عدد الرُسل والأنبياء المذكورين في القُرآن العظيم بالاسم أن يتجاوز عددهم لعدد الأحرف المُكون منها جميع هذا القُرآن العظيم. ويتكون القُرآن العظيم من ثمانية وعشرون حرفاً وذلك لأنه قرآنٌ عربيٌ مُبين، واللغة العربية تتكون من ثمانية وعشرون حرفاً ينطق بها اللسان العربي المُبين.
وإليكم السور ذات الأحرف التي أقسم الله بها من باب التكريم، وليس تكريم للحرف بل قسم لحرف ينتمي لاسم نبيٍ أو رسولٍ، ولذلك يرمز له الله في القسم بأحد حروف اسم النبي المُقسم باسمه، ولم يكن شرط أن يكون الحرف الأول من الاسم بل بأحد حروف الاسم الأول، ولكنه لا يتجاوز الاسم الأول إلى الأب بل أحد حروف الاسم الأول للنبي المُقسم به. على سبيل المثال:
{كهيعص}
فأما الحرف
(ك)
فنجده رمزاً لاسم نبي الله زكريا. وأما
(هـ)
فنجده رمز لنبي الله هارون بن عمران أخو مريم. وأما الحرف
(ي)
فنجده رمز لاسم يحيى. وأما
(ع)
فرمز لاسم عيسى بن مريم. وأما الحرف
(ص)
فرمز الصديقة مريم. ولم يأخذ رمزها من الاسم لأنها ليست نبيه بل صديقة لذلك أخذ الرمز من اسم الصفة. وقال الله تعالى:
{مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ}
وأعيد الإقتباس:
وإليكم السور ذات الأحرف التي أقسم الله بها من باب التكريم، وليس تكريم للحرف بل قسم لحرف ينتمي لاسم نبيٍ أو رسولٍ، ولذلك يرمز له الله في القسم بأحد حروف اسم النبي المُقسم باسمه، ولم يكن شرط أن يكون الحرف الأول من الاسم بل بأحد حروف الاسم الأول، ولكنه لا يتجاوز الاسم الأول إلى الأب بل أحد حروف الاسم الأول للنبي المُقسم به.
إخوتي لكن ذو القرنين ليس إسما إنّما هي صفة؛ فلابدّ أنّ الله قد أقسم باسمه في بعض السور.
حسنا كنت قد أشرت في مشاركة سابقة أنّ هناك حرف من بين الأحرف التي أقسم الله بها من باب التكريم لأنبياءه هي حرف قاف في قوله تعالى: ق و القرآن المجيد.
فما علاقة هذا النبيّ الذي في اسمه حرف قاف بالقرآن و نحن نعلم ممّا تعلّمناه من بيانات الإمام ناصر محمد اليماني أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلّم هو من جاهد بالقرآن جهادا عظيما و أقسم الله به في أحرف حم و أيضا الإمام ناصر محمد اليماني الذي يجاهد الناس بالقرآن كجدّه محمد صلوات ربي و سلامه عليهم فأقسم الله به تكريما له في حرف نون و صاد و ألم إشارة إلى صفته المهدي.
إذا فحرف قاف له علاقة بنبيّ له علاقة بالقرآن.
لو رجعنا لقوله تعالى في سورة يس؛قال تعالى :يس و القرآن الحكيم.فإنّ سورة يس تتكلّم عن قصة أصحاب الكهف الإخوة الثلاثة إلياس و إدريس و اليسع عليهم الصلاة و السلام وزراء المهدي و الذين سيحاجوّن الناس معه بالقرآن العظيم لذلك أقسم الله بهم.
وما يبقى لنا إلاّ عيسى بن مريم فما علاقته بسورة قاف.فلنعد و لنتدبّرها سوياّ إخوتي:
ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ(1)بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءَهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ.
المعلوم أنّ عيسى بن مريم عليه السلام من آل يعقوب فهو سيرث من آل يعقوب و كما قلت آنفا أنّه مقام عزّ و ملك و يجاهد الناس مع إمامنا ناصر محمد اليماني ببصيرة محمد صلى الله عليه و سلّم ؛قال تعالى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ.
و عيسى بن مريم من ورثة أرض المشرقين كما وعد الله تعالى عباده الصالحين: وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا.
فورث عيسى بن مريم و عباد الله الصالحين ميراث آل يعقوب ظاهر الأرض و باطنها و نحن لا نعلم من ملك ظاهر الأرض و باطنها في ما خلا إلاّ نبيّ الله ذو القرنين. و هذا هو ميراث و ملك آل يعقوب.
حسنا مزيد من التدبّر في قوله تعالى حم ( 1 ) عسق ( 2 ) كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم ( 3 ).
حسنا إخوتي حم محمد صلى الله عليه و سلم و قد أشار الله إليه في قوله: كذلك يوحي إليك.
فمن إذن عسق و قد أشار الله إليهم في قوله: وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم.
إذا قلنا أنّ حرف عين و حرف سين عيسى بن مريم فمن صاحب حرف قاف و ما علاقته بما يوحى لمحمد صلى الله عليه وسلّم.
إخوتي هذا مبلغي من العلم و لكنّي أرى أنّ هناك علاقة بين سرّ ذي القرنين و ملك آل يعقوب و عيسى بن مريم عليهم السلام.فإماّ أن يكون ذو القرنين هو يعقوب بذاته المشار إليه في سورة مريم و هكذا نكتشف سرّ حرف قاف و إمّا هو نبيّ آخر من آل يعقوب و في هذه الحالة لا أستطيع معرفة إسمه لأني كما أشرت هذا مبلغي من العلم وستكون هذه آخر مشاركة لي في موضوع نبيّ الله ذو القرنين.
و إنّي و الله أحمد الله عزّ و جلّ بأن جعلني من أنصار الإمام ناصر محمد اليماني بأن كرّمني و إياّكم بمعرفة أسرار القرآن و بيانه.هذا و الله هو الفضل العظيم.