- 3 -
قصة العبد الصالح مع نبيّ الله موسى ..
بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وسلامٌ على المرسلين والحمدُ لله ربّ العالمين..
لماذا قال الله لكم: { فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا } [الكهف:65]، ولم يقل فوجدا عبداً من أنبياء الله؛ بل عبدٌ من عباد الله الصالحين وليس بمشهورٍ؟ ولم يسأله نبيّ الله موسى عن اسمه تنفيذاً لأمر الله، لأن العبد لا يريد أن يعلم به النّاس فيدعونه من دون الله فطلب من ربّه أن لا يشهره لأنهم حين يعلمون أنه أعلم من كليم الله موسى عليه الصلاة والسلام فحتماً سوف يُعظِّمونه فيدعونه من دون الله فيتوسلون به إلى الله، ولكن الرجل الصالح طلب من ربّه أن لا يُشهره لعباده حتى لا يكون سببَ فتنةٍ للقوم الظالمين الذين يُعظِّمون عباد الله المكرمين.
ولذلك نهى الله نبيه موسى أن يسأله عن اسمه ولا عن قريته ولا من أي البلاد. وقال فكيف أجده ربّي إذا؟ فقال الله له أن يأخذ معه حوت وهو السمك لأن السمك شيء معروف إذا أخرجته من الماء يموت بعد زمن قصيرٍ؛ دقائق معدودة.
وعلّمه الله أن المكان الذي سوف يبعث فيه الحوت، ففي ذلك المكان نفسه ينتظر الرجل الصالح بقدرٍ مقدورٍ من الله.
ولذلك تجدون موسى لم ينادي الرجل باسمه لأنه لا يعلم من هو ولا ما اسمه بل علم أنه هو، وذلك لأنه وجده في المكان الذي بعث الله فيه الحوت، وعلم أنه هو.
وقال له نبيّ الله موسى: السلام عليكم، فرد الرجل عليه السلام ولم يقل وعليكم سلام الله يا موسى بن عمران كما يقولون على الله الذين لا يعلمون، فأين موسى من عمران وبين موسى وآل عمران مئات السنين، وموسى من ذريَّة نبيّ الله يوسف؟
ولكن ظنهم حين يوجد في الكتاب هارون بن عمران أخو مريم ولذلك قالوا فبما أن هارون هو أخو موسى فكذلك موسى هو ابن عمران! لا قوة إلا بالله العلي العظيم من المفترين على ربّ العالمين أنه:
إذاً الله لم يدل نبيّ الله موسى على مكان الرجل الصالح، إذاً لوجدوه حين جاؤوا إلى الصخرة المرّة الأولى؛ بل ناموا عند الصخرة ولم يكن موجوداً وإنما سوف يأتي الرجل بقدر من الله.
المهم أن موسى لا يعلم من ذلك الرجل حتى مات نبيّ الله موسى عليه الصلاة والسلام وهو لا يعلم من ذلك الرجل، وذلك تلبية من ربّ العالمين لذلك الرجل الصالح الذي لا يريد من ربّه أن يشهره للناس ابداً حتى يلقاه لأنه يخشى أن يكون فتنةً للقوم الظالمين الذين بمجرد ما يعلمون بعبدٍ قد جعله الله من المُكرمين إلا وأشركوا به وبالغوا فيه بغير الحقّ وعبدوه زلفةً إلى الله، ولذلك الله لم يشهره بناء على طلب عبده، ولذلك قال: { فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا } صدق الله العظيم [الكهف:65]. ولكنكم جعلتم اسمه الخضر وجعلتموه نبيّاً من أنبياء الله ونسيتم قول الله تعالى: { إِنْ عِندَكُم مِّن سلطان بِهَـٰذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٦٨﴾ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴿٦٩﴾ } صدق الله العظيم [يونس]
ولكني أشهد لله شهادة الحقّ اليقين أنه كما قال ربّي ليس من عباد الله المرسلين بل عبدٌ من عباد الله الصالحين. والحكمة من ذلك علَّ النّاس يخرجون من دائرة الإشراك بالله من تعظيم الأنبياء وحصر العلم عليهم من دون الصالحين. ويريد الله أن يحطم هذه العقيدة الباطلة، فابتعث كليم الله موسى عليه الصلاة والسلام ليتعلم العلم من عبدٍ من عباد الله الصالحين أعلمَ من كليم الله موسى عليه الصلاة والسلام، ولكن أكثر المؤمنين يأبَون إلا أن يكونوا مشركين!
ويا معشر المسلمين، ما خطبكم لا تفقهون دعوة الأنبياء والمرسلين فتعظمونهم بغير الحق؟ فوالله الذي لا أعبدُ سواه ولا إله غيره إنكم لن تستطيعوا أن تخرجوا من دائرة الشرك حتى تعتقدوا بالحقّ أن لكم الحقّ في الله ما لأنبيائه ورسله وأنهم ليسوا إلا عبيد لله أمثالكم، فلا فرق بينكم وبينهم إلى الله شيئاً، فهم عبيدٌ لله كما أنتم عبيدٌ لله.
ألا والله الذي لا إله غيره ما جعل الله صاحب الدرجة عبداً مجهولاً إلا لكي يتمّ التنافس من كافة عبيد الله إلى الربّ المعبود أيهم أقرب. فلمَ تحصرون التنافس على الربّ حصرياً للأنبياء والمرسلين من دون الصالحين أفلا تتقون؟
الإمام ناصر محمد اليماني..
__________________