بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وسلامٌ على المرسلين والحمدُ لله ربّ العالمين..
لماذا قال الله لكم: { فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا } [الكهف:65]، ولم يقل فوجدا عبداً من أنبياء الله؛ بل عبدٌ من عباد الله الصالحين وليس بمشهورٍ؟ ولم يسأله نبيّ الله موسى عن اسمه تنفيذاً لأمر الله، لأن العبد لا يريد أن يعلم به النّاس فيدعونه من دون الله فطلب من ربّه أن لا يشهره لأنهم حين يعلمون أنه أعلم من كليم الله موسى عليه الصلاة والسلام فحتماً سوف يُعظِّمونه فيدعونه من دون الله فيتوسلون به إلى الله، ولكن الرجل الصالح طلب من ربّه أن لا يُشهره لعباده حتى لا يكون سببَ فتنةٍ للقوم الظالمين الذين يُعظِّمون عباد الله المكرمين.
ولذلك نهى الله نبيه موسى أن يسأله عن اسمه ولا عن قريته ولا من أي البلاد. وقال فكيف أجده ربّي إذا؟ فقال الله له أن يأخذ معه حوت وهو السمك لأن السمك شيء معروف إذا أخرجته من الماء يموت بعد زمن قصيرٍ؛ دقائق معدودة.
وعلّمه الله أن المكان الذي سوف يبعث فيه الحوت، ففي ذلك المكان نفسه ينتظر الرجل الصالح بقدرٍ مقدورٍ من الله.
ولذلك تجدون موسى لم ينادي الرجل باسمه لأنه لا يعلم من هو ولا ما اسمه بل علم أنه هو، وذلك لأنه وجده في المكان الذي بعث الله فيه الحوت، وعلم أنه هو.
وقال له نبيّ الله موسى: السلام عليكم، فرد الرجل عليه السلام ولم يقل وعليكم سلام الله يا موسى بن عمران كما يقولون على الله الذين لا يعلمون، فأين موسى من عمران وبين موسى وآل عمران مئات السنين، وموسى من ذريَّة نبيّ الله يوسف؟
ولكن ظنهم حين يوجد في الكتاب هارون بن عمران أخو مريم ولذلك قالوا فبما أن هارون هو أخو موسى فكذلك موسى هو ابن عمران! لا قوة إلا بالله العلي العظيم من المفترين على ربّ العالمين أنه:
والسؤال الذي يطرح نفسه فهل دلّ الله موسى على مكان الرجل؟ بل علّم الله موسى أن يأخذ معه حوتاً وحيث يبعثه الله يجد، فعليه أن ينتظر الرجل في ذلك المكان، وبما أن الله بعث الحوت وهم نائمون فلم يعلم نبيّ الله موسى عليه الصلاة والسلام أن الله بعث الحوت ولذلك لم ينتظر في المكان؛ بل سافروا سفراً بعيداً إلى الظهر، ولذلك: { قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا } [الكهف:62].
إذاً الله لم يدل نبيّ الله موسى على مكان الرجل الصالح، إذاً لوجدوه حين جاؤوا إلى الصخرة المرّة الأولى؛ بل ناموا عند الصخرة ولم يكن موجوداً وإنما سوف يأتي الرجل بقدر من الله.
المهم أن موسى لا يعلم من ذلك الرجل حتى مات نبيّ الله موسى عليه الصلاة والسلام وهو لا يعلم من ذلك الرجل، وذلك تلبية من ربّ العالمين لذلك الرجل الصالح الذي لا يريد من ربّه أن يشهره للناس ابداً حتى يلقاه لأنه يخشى أن يكون فتنةً للقوم الظالمين الذين بمجرد ما يعلمون بعبدٍ قد جعله الله من المُكرمين إلا وأشركوا به وبالغوا فيه بغير الحقّ وعبدوه زلفةً إلى الله، ولذلك الله لم يشهره بناء على طلب عبده، ولذلك قال: { فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا } صدق الله العظيم [الكهف:65]. ولكنكم جعلتم اسمه الخضر وجعلتموه نبيّاً من أنبياء الله ونسيتم قول الله تعالى: { إِنْ عِندَكُم مِّن سلطان بِهَـٰذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٦٨﴾ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴿٦٩﴾ } صدق الله العظيم [يونس]
ولكني أشهد لله شهادة الحقّ اليقين أنه كما قال ربّي ليس من عباد الله المرسلين بل عبدٌ من عباد الله الصالحين. والحكمة من ذلك علَّ النّاس يخرجون من دائرة الإشراك بالله من تعظيم الأنبياء وحصر العلم عليهم من دون الصالحين. ويريد الله أن يحطم هذه العقيدة الباطلة، فابتعث كليم الله موسى عليه الصلاة والسلام ليتعلم العلم من عبدٍ من عباد الله الصالحين أعلمَ من كليم الله موسى عليه الصلاة والسلام، ولكن أكثر المؤمنين يأبَون إلا أن يكونوا مشركين!
ويا معشر المسلمين، ما خطبكم لا تفقهون دعوة الأنبياء والمرسلين فتعظمونهم بغير الحق؟ فوالله الذي لا أعبدُ سواه ولا إله غيره إنكم لن تستطيعوا أن تخرجوا من دائرة الشرك حتى تعتقدوا بالحقّ أن لكم الحقّ في الله ما لأنبيائه ورسله وأنهم ليسوا إلا عبيد لله أمثالكم، فلا فرق بينكم وبينهم إلى الله شيئاً، فهم عبيدٌ لله كما أنتم عبيدٌ لله.
ألا والله الذي لا إله غيره ما جعل الله صاحب الدرجة عبداً مجهولاً إلا لكي يتمّ التنافس من كافة عبيد الله إلى الربّ المعبود أيهم أقرب. فلمَ تحصرون التنافس على الربّ حصرياً للأنبياء والمرسلين من دون الصالحين أفلا تتقون؟
اقتباس
وحين ظنّ موسى أنّ العلم حصرياً للأنبياء من دون الصالحين وبما أنهُ النبيّ الوحيد في زمانه ظنّ إنه لا يوجد من هو أعلم منه في عالَمه وعصره كونه النبيّ الوحيد في عالَمه ووزيره أخوه هارون أقل منه علماً {(ولذلك أفتى السائل إنّه لا يوجد من هو أعلم منه على وجه الأرض،)( ومن ثم أراد الله أن يعلم موسى وكافة الصالحين أنّ التفضيل على الأنبياء على بعضهم بعض وليس على مستوى عباد الله الصالحين أجمعين،) ولذلك أمره الله أن يتّبع عبداً من عباد الله الصالحين ليعلم موسى أنّ الله لم يحصر رحمته على الأنبياء من دون الصالحين.} وقال الله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} صدق الله العظيم [الكهف:65].
- 10 -
الإمام ناصر محمد اليماني
23 - 06 - 1430 هـ
17 - 06 - 2009 مـ
09:51 مساءً
ـــــــــــــــــــ
التفضيل بين الأنبياء هو على بعضهم بعضاً وليس على مستوى عبيده الصالحين أجمعين
بل باب التنافس أيهم أقرب وأحبّ إلى الله مفتوح لجميع العباد ..
بسم الله الرحمن الرحيم، وسلامٌ على المُرسلين والحمدُ لله ربّ العالمين..
وما يلي اقتباس من العضو المُسلمة الذكر في ثوب الأنثى في طاولة الحوار إذ يقول:
ويا سُبحان الله أن يبعث إليكم المسيح عيسى ابن مريم بهدف قتل حيوان الخنزير ظُلماً على حيوان الخنزير والذي خلقه الله لعبادته كغيره من الحيوانات! ولم يعتدِ الخنزير على البشر حتى تحكم عليه بالقتل، فاتقِ الله! فلا يقبل الله الظُلم لا على الإنسان ولا على الحيوان ولم يحلّه الله للذبح؛ بل مُحرم على المُسلمين ذبحه وأكله وإنما هو حيوان كسائر الحيوانات لم يخلقه الله عبثاً بل خلقه الله لعبادته. وقال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} صدق الله العظيم [الأنعام:38].
وتصديقاً لقول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} صدق الله العظيم [النور:41].
وتصديقاً لقول الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} صدق الله العظيم [الإسراء:44].
ولكن حسب فتواك إنّ الله سيبعث المسيح عيسى ابن مريم ليعلن الحرب على الخنازير بحجّة إنّ الله حرَّم أكلها فلا قوة إلا بالله، أفلا تتقِ الله؟ فأنت بهذا أعلنت الفتوى بقتل كُلّ حيوان حرَّم الله أكل لحمه، أفلا تتقِ الله؟ ولم يأمرنا الله بقتل كُل ذي ظفر من التي حرم الله أكل لحومها ما لم يكون هناك اعتداء من الحيوان أو الطائر على الإنسان.
وأما البيان الحقّ لكسر الصليب وهو الباطل المُفترى في عبادة النصارى، ويدعوهم إلى اتّباع الحقّ وهو حكم بين المُسلمين والنصارى ويدعو إلى اتّباع الإسلام.
وأما إشارة قتل الخنزير فهم الذين يمسخهم الله إلى خنازير من اليهود. وأما حُجتك كيف يتمّ التمييز بين الخنازير وبين البشر الممسوخين إلى خنازير فهم يُعرفون بالنواصي والأقدام ويتبين للناس البشر الممسوخين إلى خنازير، وإنما شكلهم يشبه الخنازير من بعد المسخ، وسبق وأن أتيناك بالدليل الكافي والمُقنع من مُحكم القرآن الذي أخبركم عن النتيجة الشاملة للمُتقين من المؤمنين الذين اتّبعوا الحقّ ممن ينقمون من المؤمنين لأنّهم آمنوا بربهم فتجدهم من أشد الناس عداوة لهم ولذلك أخبركم الله في محكم الكتاب بالنتيجة النهائية بين الطائفتين بين يدي الله. وقال الله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} صدق الله العظيم [المائدة:60].
فانظر لقول الله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ}، وتلك نتيجة الذين اتّبعوا الحقّ فيدخلهم جنّته مثوبة من الله ونعم أجر الثواب، ثم قال: {مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} صدق الله العظيم، فهذا إعلان النتيجة المُستقبليّة وصدق منها المسخ الأول إلى قردةٍ خاسئين ثم يأتي المسخ الآخر إلى خنازير للذين يصدون عن آيات الله في القرآن العظيم ويريدون أن يطفِئوا نور الله ممن تجدهم من أشدّ الناس عداوةً لمن آمن بالله فينقمون منهم، ولذلك حذَّرهم الله إذا لم يصدِّقوا بالقرآن العظيم فيتبعوه فتوعدهم بالمسخ الآخر الذي ذكره في النتيجة العامة كما أسلفنا ذكره. وقال الله: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47)} صدق الله العظيم [النساء].
حتى إذا تبيّن لك الحقّ أيتها المُسلمة الذكر في ثوب الأنثى ومن ثم افتريتِ على الله أنه سوف يبعث المسيح عيسى ابن مريم ليعلن الحرب على حيوان الخنزير فيقوم بقتله، وذنبه لأن الله حرَّم أكل لحومه! أفلا تتقين؟
وأما الآن فقد حصحص الحقّ لمن أراد أن يتّبع الحقّ يا معشر الأنصار وما كان الله ليضلّكم بعد إذ هداكم حتى يبيّن لكم ما تتقون. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ} صدق الله العظيم [التوبة:115].
وتصديقاً لقول الله تعالى: {مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} صدق الله العظيم [آلعمران:179].
وأما هدف العضو المُسلمة الذكر في ثوب الأنثى في طاولة الحوار للمهديّ المنتظَر إنّما يريد فتنتكم أولاً بقفل الباب عليكم في التنافس في حُبّ الله وقٌربه ولذلك يفتيكم أنّ الباب قد أُغلق عن جميع الصالحين كون درجة التنافس في حُبّ الله وقربه قد فاز بها الأنبياء من دون الصالحين فهم أكرم من الصالحين، ولكنّ الله أفتاكم إنّما الأنبياء المُكرَمون عبادٌ أمثالكم لهم الحقّ في ربهّم ما لكم وعليهم ما عليكم وليس لديه سُبحانه التمييز العنصري في عبيده فلا فرق لأبيض على أسود ولا لنبيّ على صالحٍ إلا بالتقوى ودرجة الحُبّ والقرب من الربّ الواحد الأحد، وأمركم أن لا تتخذونهم شفعاءكم عند الله أو تدعونهم لشفاء مرضاكم أو تتوسلون بهم! كلا، فقد أخبركم الله إنّما هم عبادٌ أمثالكم يحقّ لهم ما يحقّ لكم في عبادة الله وحده والتنافس في حُبّه وقُربه أيُّكم اقرب وقال الله تعالى: {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} صدق الله العظيم [الإسراء:56-57].
ثم علَّمكم الله أنّ أنبياءه ورُسله والذين نافسوهم في حُبّ الله وقربه ثم كرَّمهم وأحبّهم وقرّبهم، وللأسف فما علمتم من كرامات أحدهم إلا تمسّحتم في قبره فتدعونه من دون الله ليقربوكم إلى الله برغم أنّهم عبادٌ أمثالكم. وعلَّمكم الله إنّهم سوف يكفرون بدعوتكم لهم ويقولون إنّا كنّا عن دعائكم غافلون فيكفرون بعبادتكم ومبالغتكم فيهم بغير الحقّ بأنّ الله اصطفاهم من عباده ثم أغلق الباب على الصالحين فلا يعلمون إنّكم بالغتم فيهم من بعد موتهم. وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ(6)} [الأحقاف].
فإذا كانوا من خشيته مشفقين فكيف يتجرَؤون على الشفاعة بين يديه، بل يردون الشفاعة لمن هو أرحم بعباده منهم كما قال المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام. وقال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ربّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)} صدق الله العظيم [المائدة].
ولم يتجرأ للشفاعة المسيح عيسى ابن مريم للذين بالغوا فيه وبأمّه بغير الحقّ، وقال: "إنّك تعلم إلهي إنّما دعوتهم أن يعبدوك أنت ربّي وربهم فيتنافسون في حبك وقربك كما أمرتني ولم أدعُهم لعبادتي من دونك". ثم ردّ الشفاعة لمن هو أرحم بعبادة من المسيح عيسى ابن مريم، وقال: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)} صدق الله العظيم [المائدة].
وأنا الإمام المهديّ الحقّ من ربِّكم أسعى لكسر الباب الذي أغلقه المبالغون في أنبياء الله ورسله في التنافس في حُبّ الله وقربه فأدعوكم إلى عبادة الله وحده لا شريك له وأفتيكم بالحقّ أن كافة الأنبياء والمُرسلين وعباد الله المُقربين إنما هم عبادٌ أمثالكم لهم من الحقّ في ربهم ما لكم فأمركم الله أن تعبدوه فتتخذوا إلى ربكم الوسيلة فتتنافسون على حُبّه وقربه فلا تجعلوه حصرياً لطائفةٍ منكم فتشركون بالله يا من أغلقتم باب التنافس في حُبّ الله وقربه بفتواك إنّه لا ينبغي لأحدٍ من الصالحين أن ينافس أنبياءه ورُسله كون الأنبياء هم المُكرمون وأحبّ عباد الله وأقربهم، فأفتوكم الذين لا يعلمون إنه لا ينبغي لكم أن تنافسوهم كونه أغلق الباب.
وأما التفضيل فلم يقل الله إنّه فضّل الأنبياء على خلقه أجمعين بل فضّل الأنبياء على بعضهم بعضاً. وقال الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} صدق الله العظيم [البقرة 253].
وبرغم أنّ رسول الله المسيح عيسى ابن مريم من الذين فضَّلهم الله فجعله من أصحاب الدرجة العالية بين الأنبياء ولكن الله أمره أن يتّبع الذي يؤتيه الله علم الكتاب فلا يعصي له أمراً فجعله الله له وزيراً كريما كون المهديّ المنتظَر هو أعلم منه، ولذلك أمره الله أن يتخذه إماماً من الصالحين، ثم نأتي إلى نبيّ الله موسى فنجده من الذين فضّلهم الله من بين الأنبياء من أصحاب الدرجة العالية. وقال الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} صدق الله العظيم [البقرة:253].
ومن الذين كلَّمهم الله من بين المُكرمين من الأنبياء نبيّ الله موسى. وقال الله تعالى: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} صدق الله العظيم [النساء:164].
وحين ظنّ موسى أنّ العلم حصرياً للأنبياء من دون الصالحين وبما أنهُ النبيّ الوحيد في زمانه ظنّ إنه لا يوجد من هو أعلم منه في عالَمه وعصره كونه النبيّ الوحيد في عالَمه ووزيره أخوه هارون أقل منه علماً ولذلك أفتى السائل إنّه لا يوجد من هو أعلم منه على وجه الأرض، ومن ثم أراد الله أن يعلم موسى وكافة الصالحين أنّ التفضيل على الأنبياء على بعضهم بعض وليس على مستوى عباد الله الصالحين أجمعين، ولذلك أمره الله أن يتّبع عبداً من عباد الله الصالحين ليعلم موسى أنّ الله لم يحصر رحمته على الأنبياء من دون الصالحين. وقال الله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} صدق الله العظيم [الكهف:65].
ويا معشر الصالحين إنّ الله لم يُغلق الباب عليكم؛ بل أمركم أن تنافسوا عباده المُقربين، إنما هم عباد أمثالكم أفلا تتقون؟ وإن أبيتم واتبعتم المُسلمة الذكر في ثوب الأنثى الذي يُظهر الإيمان ويُبطن الكفر فيُغلق عليكم التنافس في حُبّ الله وقربه فسوف تردكم من بعد إيمانكم كافرين كونها تنفي وتفتي إنه لا ينبغي ولا يجوز أن يكون هناك من هو أعلم وأحبّ وأقرب من الأنبياء إلى الله وإن الباب قد أغلق ببعث خاتم الأنبياء والمُرسلين محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولكني المهديّ المنتظَر الحقّ من ربكم أعبد الله وحده لا شريك له ربّي وربّ محمد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأنافس جدي محمد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وكافة الأنبياء والمُرسلين أنافسهم في حُبّ الله وقربه ليجعلني الله من المُكرمين من الذين تنافسوا على حُبّ الله وقُربه أيهم أقرب فأحبَّهم وقرّبهم وجعلهم من عباده المُكرمين لأنهم عبدوا الله فتنافسوا في حبه وقربه وقال الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} صدق الله العظيم [الإسراء:57].
فمن كان يعبد أنبياء الله ورسله فلا ينافسهم في حُبّ الله وقربه وقد أشرك بالله ولن يغنوا عنه من الله شيئاَ، ومن كان يعبد الله وحده لا شريك له فلينافس أنبياء الله ورُسله في حُبّ الله وقربه فلا يجعل الله حصرياً لهم من دون الصالحين ولا يجعل العلم حصرياً لهم من دون الصالحين فاستجيبوا لدعوة الحقّ. وأما التفضيل للأنبياء فهو على بعضهم بعض وليس على مستوى عبيده الصالحين أجمعين، فتنافسوا على حُبّ الله وقربه واعبدوا الله وحده لا شريك له فهو ربكم وربّ أنبيائِكم وربّ المهديّ المنتظَر إن كنتم تعقلون، فاتّبعوا دعوة الحقّ للإمام المهديّ المنتظَر الذي يدعوكم إلى عبادة الله وحده لا شريك له وأن تنافسوا المهديّ المنتظَر وجميع الأنبياء والمُرسلين وجاهدوا في سبيله وابتغوا إليه الوسيلة أيّكم أحبّ إلى الله وأقرب، وتذكروا قول الله تعالى عن عباده المُكرمين: {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} صدق الله العظيم [الإسراء:57].
وكذلك أنتم يا عباد الله الصالحين أمركم الله أن تبتغوا إليه الوسيلة فتنافسوا عباد الله وحده أيُّكم أحبّ وأقرب لعلكم تفلحون، فلم يغلق الله الباب بعد في التنافس في عبادة الله وحُبّه وقربه؛ بل كذلك أمركم أن تفعلوا كما يفعل الذين يتنافسون على حبّ الله وقربه فيبتغون إليه الوسيلة أيُّهم أحبّ وأقرب وأنتم كذلك أمركم أن تنهجوا نهجهم فتحذوا حذوهم لعلكم تفلحون. وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} صدق الله العظيم [المائدة:35].
وإنّما الوسيلة أن تعبدوا الله فلا تشركوا به شيئا فتجاهدوا في سبيل الله والمُسارعة في الخيرات كوسيلة إلى ربّكم للتنافس في حُبّ الله وقربه لعلكم تفلحون، ولكلٍ درجات ممّا عملوا وليس للإنسان إلا ما سعى، أفلا تتقون؟ ولكن المُسلمة الذكر في ثوب الانثى يريدكم أن تبالغوا في أنبياء الله ورسله فيغلق الباب عليكم بغير الحقّ فيحصر العلم عليهم وحدهم من دون الصالحين وإنّه لا ينبغي حسب فتواه أن يكون عبداَ صالحاً أعلمَ من أحد الأنبياء. وأقسمُ بالله العظيم إنّ من اتّبع المُسلمة إنّها تدعو للشرك بطريقةٍ خفيّةٍ لن يدركها إلا العالمون. وسوف أذكِّركم بقولٍ مُختصرٍ مفيدٍ مُحكمٍ واضحٍ بيِّنٍ الذي علَّمكم فيه إنّ عباده المُكرمون الذين تبالغون في شأنهم إنّما هم عباد لله أمثالكم عبدوا الله وحده لا شريك له فتنافسوا على حُبّ الله وقُربه. وقال الله تعالى: {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} صدق الله العظيم [الإسراء:56-57] .
وكذلك أمركم الله أن تفعلوا كما يفعلوا فتبتغوا إليه الوسيلة أيّكم أحبّ وأقرب كونهم عباد أمثالكم ويحقّ لكم ما يحقّ لهم في التنافس على القُرب من ربهم. وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} صدق الله العظيم [المائدة:35].
فتذكّروا قول الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} صدق الله العظيم [الإسراء:57].
وكذلك انظروا لقول الله تعالى إلى رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وقال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} صدق الله العظيم [الكهف:28].
وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله ربّ العالمين..
الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني.
ــــــــــــــــــ
أخي الكريم (علاء الدين)، جعلكَ الله من الموقنين وبصَّركَ الله بالبيان المبين لذكر العالمين. وبالنسبة للسؤال الأول، فقلت:
ومن ثمّ يردّ عليك المهدي المنتظر: إنّ الذين قالوا إنّ اسمه الخضر يقولون على الله ما لا يعلمون، فإنّه لا يُعلَم ما اسمه ومن يكون، حتى كليم الله موسى عليه الصلاة والسلام لا يعلم ما اسمه ولم يشهره الله إجابةً لطلب عبده أن لا يشهره للناس حتى لا يبالغوا فيه بغير الحقّ فيدعونه من دون الله كونه تعلَّم منه العلمَ كليمُ الله ورسوله موسى عليه الصلاة والسلام، ولم يخبر اللهُ نبيَّه موسى عليه الصلاة والسلام عن اسم هذا العبد ولا عن عنوانه شيئاً حتى يذهب إليه؛ بل أمره الله أن يذهب ليتعلّم العلم مع عبدٍ من عبادِه الصالحين، فقال: "ربي وما اسمه وأين أجده وفي آي قرية هو؟". ولم يفتِ اللهُ نبيّه موسى عليه الصلاة والسلام بأي شيءٍ عن هذا العبد، لا عن اسمه ولا عن قريته ولا عن محرابه الذي يجده فيه وذلك إجابةً لطلب عبده من ربّه أن لا يشهره لأحدٍ حتى لا يعظِّمونه بغير الحقّ فيدعونه من دون الله، ولذلك أمر الله نبيّه موسى عليه الصلاة والسلام أن يأخذ معه حوت (سمك) وحيث يبعثه الله فلينتظر الرجل في ذلك المكان. وقال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)} صدق الله العظيم [الكهف].
ولحكمةٍ إلهيةٍ حتى لا يرى موسى وفتاه الجهة التي يأتي منها العبد الصالح، فحين وصلا مجمع البحرين أَوَيا إلى الصخرة ليأخذا لهما قسطاً من الراحة وناما إلى ما شاء الله، وأثناء نومهما بعث الله الحوت من الوعاء الذي فيه المتاع وهو وعاء مفتوحٌ ذو شناق تحمله الأيدي، المهم إنّ الله بعثه أثناء نومهم وهما لا يعلمان لأنّهما نائمان. وقال الله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)} صدق الله العظيم.
والبيان الحقّ لقول الله تعالى: {نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)} صدق الله العظيم، أي نسيا حوتهما أن يتفقداه بعد أن قاما من نومهما بل حملا متاعهما وذهبا مواصِلَيْنِ سفرهما حتى أصابهما التّعب والنَّصَب {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف:62]، ولكن الله أفتانا أين ذهب الحوت، إنه بعثه واتخذ سبيله في البحر: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)}صدق الله العظيم [الكهف].
لأنّكم قد تظنون أنّ أحدهم شاهد المعجزة بأنّ الله بعث الحوت واتّخذ سبيله في البحر سرباً وفتاه كان يشاهد هذه المعجزة بأنّ الله بعث الحوت واتخذ سبيله في البحر عجباً! فكيف ينسى شيئاً مثل هذا يحدث أمام عينيه ثمّ لا يكلّم به نبيّ الله موسى عليه الصلاة والسلام؟ بل الله أخبرنا ما صنع بالحوت: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)} صدق الله العظيم، ومن ثمّ حين قام بتفتيش وعائَهما ليخرج غداءهما، افتقدا السمك فإذا هو ليس بموجودٍ في الوعاء الذي فيه المتاع فقال: {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} صدق الله العظيم [الكهف:63].
وكلام الرجل إلى قول الله تعالى: {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ}، والفتوى من الله جاءت مباشرةً لنا وقال: {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} صدق الله العظيم، أما هما فلا يعلمان ما حدث، وإنّما آخر رؤيةٍ للحوت هو منذ أن فتّش الوعاء فأخرج لهما متاعاً قبل نومهما عند الصخرة وكان موجوداً في الوعاء وأكلا من متاعِهما وناما وهو موجودٌ في الوعاء، وبعد أن قاما أخذا وعاء المتاع فواصلا الرحلة، ولكن أثناء نومهما بعث الله الحوت فاتّخذ سبيله في البحر سرباً، والحكمة من نسيانِه هو للتمويهِ عن الجهة التي سوف يأتي منها الرجل الصالح حتى إذا ارتدا على آثارِهما قصَصَاً علّه وقع من الوعاء أثناء الرحلة من بعد أن انطلقا من عند الصخرة، المهم إنّ نبيّ الله موسى لم يأتِ إلا والرجل عند الصخرة ولم يعلم نبيّ الله موسى من أيِّ جهة أقبل منها الرجلُ الصالحُ حتى لا يُخمِّنا القرية التي أقبل منها، وانقضت الحكمة للتمويه عن المنطقة التي يأتي منها الرجل الصالح حتى إذا جاء موسى عليه الصلاة والسلام والرجل الصالح عند الصخرة حيث كانا علم أنّه هو وأنّ الحوت قد بعثه الله عند الصخرة علامةَ المكان الذي يجد فيه الرجل الصالح، ولم يسأله نبيّ الله موسى عن اسمِه لأنَّ الله نهاهُ عن ذلك بل أقرأَه السلامَ وطلب مِنهُ مُباشرةً أن يتَّبِعه فيعلِّمَه مما علَّمه الله. وقال الله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)} صدق الله العظيم [الكهف].
ثم ردَّ عليه نبيّ الله موسى عليه الصلاة والسلام: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} [الكهف:69].
ومن ثمّ شرط عليه الرجل الصالح: {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} [الكهف:70].
ولكن لو صبر موسى ولو على واحدةٍ لأصبح نبيُّ الله موسى أعلم من الرجل الصالح، وبما أنّ الرجل الصالح هو أعلم من موسى ولذلك حكم بالنتيجة من قبل الرحلة والصحبة: {قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)} [الكهف:68].
ولذلك كان يُذكّر نبيّ الله موسى الذي لم يصبر، ويقول له الرجل الصالح: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف:72].
ولكن نبيّ الله موسى اعتذر في المرة الأولى: {قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} [الكهف:73].
ولكن موسى بعد مقتل الغلام قد حكم على نفسه، وقال: {قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا} [الكهف:76].
حتى إذا سأله المرّة الثالثة، قال: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف:78].
وعلى كلّ حالٍ تبيَّن لنا إنّ الرجل لم يكن من الأنبياء والمُرسلين بل من عباد الله الصالحين. تصديقاً لقول الله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} [الكهف:65].
أي عبدٌ من عبادِ الله الصالحين وذلك لكي لا تحصروا العلم والتكريم للأنبياء من دون الصالحين، وأمّا المفيد من القصة فسبق التفصيل في ذلك في عدّة بيانات.
{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)} وإنّما ذلك نجمٌ إذا هوى فوق الأرض تفجَّر منه الشرر؛ وهو جهنّم. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النّجم الثَّاقِبُ (3)} صدق الله العظيم [الطارق].
وذلك قسمٌ لتعظيمِ شأنِ هذا النّجم، وأما جواب القسم هو قول الله تعالى: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} صدق الله العظيم [النجم].
وأما البيان لقول الله تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى}، ويقصد جبريل عليه الصلاة السلام.
وأما البيان لقوله تعالى: {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} أي ذو عظَمةٍ وضخامةٍ في الخليقةِ بالأفق الأعلى فتَنزَّل فاستوى إلى رجل سويٍّ بين يديْ محمدٍ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} أي دنا من الرسول فمد إليه يده يجُرُّه إليه، {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} وهي المسافة بين جبريل والنّبيّ ولم تكن ثابتةً نظراً لأنّه كان يجُرُّه إليه ويطلقه، {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} أي أوحى الله إلى عبده ما أوحى جبريل عليه الصلاة والسلام إلى نبيّه.
وأما قول الله تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}، أي ما تكلم إلا بالحقّ محمدٌ رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- أن جبريل تَنَزَّلَ عليه من ربّه بهذا القرآن العظيم.
وأما قول الله تعالى: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} أي أتجادلونه على شيءٍ حقيقةَ رجلٍ سويٍّ تَنزَّل من السماء فشاهده رأي العين.
وأما البيان لقول الله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14)} أي شاهد محمدٌ رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- الملَكَ جبريل عليه الصلاة والسلام نزلةً أخرى ولكن بصورته الملائكيّة حين وصلا إلى سدرة المنتهى ليلة الإسراء والمعراج، فتحول الملكُ جبريل إلى مخلوقٍ عظيمٍ فخرَّ ساجداً لله ربّ العالمين، فإذا بالله يرحب بنبيّه من وراء الحجاب وهي سدرة المنتهى.
أما البيان لقول الله تعالى: {عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى}، فذلك بيانٌ جليٌ وصفَ لكم ضخامة هذه السدرة الكُبرى، فهي أكبر شيءٍ خلقَه الله في الكتاب لأنّها حجابُ الربّ، وبرغم أنَّ الجنّة عرضُها كعرضِ السماوات والأرض ولكنّ السدرة هي أكبر منها، ولذلك قال الله تعالى: {عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى}.
وأما البيان لقول الله تعالى: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى}، أي ما يغشى من نور الله فيشرق من وراء السدرة.
وأما قول الله تعالى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}، أي ما زاغ عن الحقّ وما طغى وما كلّمكم إلا بالحقّ بما شاهد بعين اليقين من آيات ربّه الكُبرى، ولكنّه لم يُشاهد ربّه جهرةً سُبحانه بل شاهد من آيات ربّه الكُبرى ليلة الإسراء والمعراج إلى سدرة المنتهى وكلّمه الله تكليماً وشاهد من آيات ربّه الكُبرى ولم يشاهد ذات ربّه لأنّه كلّمه من وراء حجابه (سدرة المُنتهى) وهي من ضمن الآيات الكبرى التي شاهدها، ومن الآيات الكبرى الجنّة وحملة العرش الثمانية هم من أكبر خلق الله في العبيد في الحجم، ولم يشاهد محمدٌ رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- ذات ربّه ليلة الإسراء والمعراج، بل قال الله تعالى: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ ربّه الْكُبْرَى} صدق الله العظيم.
وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ لله ربّ العالمين..
أخو (محمد علاء الدين) وجميع الأنصار السابقين؛ الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني.
_____________
الإمام ناصر محمد اليماني
15 - 06 - 1428 هـ
30 - 06 - 2007 مـ
12:27 صباحاً
====== اقتباس ======
۞مصدر البيان في منتديات البشرى الإسلامية۞
وأما الرُجل الذي تسمونه الخضر إنّهُ عبد من عباد الله الصالحين كما أخبركم الله بذلك في القُرآن في قوله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا ﴿٦٥﴾ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴿٦٦﴾ قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٦٧﴾} صدق الله العظيم [الكهف].
والحكمة من ذلك حتى يعلم موسى وجميع المُسلمين بأنّهم لا ينبغي لهم أن يُقسّمون رحمة ربهم فيحصرون العلم على الأنبياء والمُرسلين، ويُريدُ الله أن يعلّم موسى وجميع المُسلمين بأنّهُ يوجد هُناك من عباد الله الصالحين من هو أعلم من الذي كلمهُ الله تكليماً، وكان يظنّ موسى بأنهُ أعلم الناس نظراً لأنّ الله كرّمه وكلّمهُ تكليماً، وأراد موسى أن يتلقّى المزيد من العلم من هذا الرجُل الصالح. وقال الله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا ﴿٦٥﴾ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴿٦٦﴾ قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٦٧﴾ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ﴿٦٨﴾ قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴿٦٩﴾} صدق الله العظيم [الكهف]. https://nasser-alyamani.org/showthread.php?p=46629